مقدمة
يُعد قانون الأحوال الشخصية من أكثر القوانين التصاقًا بحياة الأفراد، لأنه ينظم قضايا الزواج، الطلاق، الحضانة، النفقة، والميراث. لذلك، أي تعديل فيه يثير نقاشًا واسعًا داخل المجتمع، خاصة أن تلك القضايا ترتبط بالأسرة المصرية، وهي اللبنة الأساسية للمجتمع. مؤخرًا، أُثير جدل واسع حول مقترحات تعديلات القانون، خاصة فيما يتعلق بـ توثيق الطلاق، حق الاستضافة، وسن الحضانة.
أولًا: أهداف الإصلاح
المشرّع يسعى من وراء التعديلات إلى:
1.حماية حقوق الطفل باعتباره أضعف أطراف النزاع الأسري.
2.ضمان المساواة بين الرجل والمرأة قدر الإمكان دون إخلال بالثوابت الشرعية.
3.الحد من النزاعات القضائية المطوّلة التي تستنزف وقت المحاكم وأموال الأسر.
4.تنظيم الطلاق الشفوي من خلال إلزام الزوج بالتوثيق الفوري، لتفادي المشاكل الناجمة عن عدم الإبلاغ.
⸻
ثانيًا: النقاط الخلافية في المشروع
1- توثيق الطلاق
•المقترح الجديد: لا يُعتد بالطلاق إلا إذا وُثّق خلال مدة قصيرة (15 يومًا مثلاً) أمام المأذون، ويُلزم المأذون بإبلاغ الزوجة فورًا.
•الجدل: هناك من يرى أن هذا يحفظ حقوق الزوجة والأبناء، بينما يرى آخرون أنه قد يُخالف النصوص الشرعية التي تعترف بالطلاق الشفوي.
2- سن الحضانة
•الوضع الحالي: غالبًا ما تُحدَّد الحضانة حتى سن 15 عامًا.
•المقترح: تعديل سن الحضانة أو إتاحة الاختيار للطفل بعد بلوغ سن معينة.
•الجدل: الأم ترى أن خفض سن الحضانة يضر باستقرار الطفل، بينما يرى الأب أن استمرار الحضانة للأم حتى سن كبيرة يحرم الطفل من وجوده في كنفه.
3- حق الاستضافة
•المقترح: منح الأب حق استضافة الأبناء لمدد أطول (مثلاً 24–48 ساعة أسبوعيًا أو في الإجازات الرسمية).
•الجدل: بعض الأمهات يتخوفن من أن يتحول “الاستضافة” إلى وسيلة للامتناع عن إعادة الطفل، بينما الآباء يرون أنه حق أصيل لهم ويُعزز صلة الرحم.
⸻
ثالثًا: التحديات العملية في التطبيق
1.النزاعات القضائية: حتى مع تعديل النصوص، يبقى التنفيذ صعبًا إذا لم تتوافر آليات واضحة وسريعة للفصل.
2.التوازن بين النص الشرعي والنص القانوني: أي خروج عن المذهب الفقهي الغالب يثير انتقادات دينية.
3.الجانب النفسي والاجتماعي: الطفل هو المتضرر الأكبر من أي صراع بين الأبوين، والقانون وحده لا يكفي دون توعية مجتمعية.
4.إثبات الطلاق الشفوي: حتى مع إلزام التوثيق، ستظل هناك قضايا تتعلق بإثبات وقوع الطلاق شفويًا.
⸻
رابعًا: مقترحات إصلاحية عملية
•إنشاء محاكم أسرة متخصصة تضم قضاة وأخصائيين اجتماعيين ونفسيين للفصل السريع.
•استخدام التقنيات الحديثة في الإبلاغ والتوثيق (رسائل SMS، إشعارات إلكترونية).
•إلزام الطرفين باللجوء إلى جلسات وساطة أسرية قبل رفع الدعوى أمام المحكمة.
•توفير دعم قانوني مجاني للأمهات غير القادرات على تحمل أتعاب المحامين.
•وضع آليات تنفيذ قوية لقرارات الرؤية والاستضافة عبر جهات تنفيذية مختصة.
⸻
خامسًا: رؤية ختامية
قانون الأحوال الشخصية الجديد يحمل نوايا إصلاحية مهمة، لكنه في الوقت نفسه يفتح بابًا واسعًا للجدل، لأن توازن الحقوق داخل الأسرة ليس مسألة قانونية فقط، بل اجتماعية وثقافية ودينية أيضًا. الإصلاح الحقيقي يتطلب تعاون الدولة والمجتمع المدني والمؤسسات الدينية لضمان حماية الأسرة والطفل معًا.



